السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمسك بالمفتاح الأعظم للتأثير
الإخلاص لله تعالى والاستعانة به هما المفتاح الأعظم للتأثير، ومن أهم مقومات وعناصر النجاح والتوفيق في الدنيا فضلاً عن الآخرة.
فكم من أناس بذلوا من الجهد والمال والوقت والتفكير ما لا يعلمه إلا الله تعالى ولكنهم لم يستطيعوا التأثير في هذه الحياة، أو ترك بصماتهم في جانب من جوانبها.
قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (البينة: الآية 5)
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم".
وعن أبي عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: "إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حسبهم المرض"، وفي رواية: "إلا شركوكم في الأجر".
ومن إحسان العمل صلاح النية والإخلاص لله تعالى بالسر والعلن، ومن أشرك في عمله غير الله تعالى حبط عمله، وضاع جهده، وزالت بركة فعله وقوله، وأصبح من الخاسرين.
وإذا نوى المسلم الخير في أعماله المباحة حصل على الأجر الجزيل، وقد كان كثير من السلف يتوقف قبل العمل لإصلاح نيته من الرياء والسمعة ومن أي غرض دون مرضاة الله تعالى.
قد يبارك الله في العمل القليل فيكتب له القبول عند الناس...
إن التوفيق هو محض فضل الله تعالى يهبه لمن يشاء من عباده ويصرفه عمن يشاء، فقد يبارك الله في العمل القليل فيكتب له القبول عند الناس وتتفتح له أبواب التأثير من حيث لا يحتسب المرء، وهنا تكون كلمته صانعة للتأثير، ويكون موقفه صانعاً للتأثير، وتكون علاقاته صانعة للتأثير، وتكون رؤيته صانعة للتأثير، بل ويكون صمته صانعاً للتأثير.
فهذا الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى كان إذا رؤي ذكر الله تعالى. وكان إذا دخل السوق ورآه الناس تركوا تجارتهم وذكروا الله تعالى دون أن يتكلم البصري بكلمة واحدة.
أما محمد بن واسع الأزدي فجاء في ترجمته أنه إذا رؤي ذكر الله تعالى. وكان قتيبة بن مسلم الباهلي يقول: إذا وجدت قساوة في قلبي ذهبت إلى محمد بن واسع فاطلعت في وجهه فاجتهدت أسبوعاً.
بل كان قتيبة بن مسلم إذا اشتدت المعركة وحمي الوطيس سأل عن محمد بن واسع فقيل له: ها هو ذا يبصبص بإصبعه إلى السماء، فيقول: والله إن هذه الإصبع أحب إلي من مائة ألف شاب طرير وسيف شهير.
وهذا الصحابي الجليل بريدة بن الخصب الأسلمي كان يقول: شهدت خيبر، وكنت فيمن صعد الثلمة، فقاتلت حتى رئي مكاني، وعلي ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنباً أعظم علي منه.
وقال حمزة بن دهقان: قلت لبشر بن الحارث: أحب أن أخلو معك، قال: إذا شئت فيكون يوماً، فرأيته قد دخل قبة، فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أصلي مثلها، فسمعته يقول في سجوده: اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني أوثر على حبك شيئاً، فلما سمعته، أخذني الشهيق والبكاء، فقال: اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا ها هنا، لم أتكلم.
إخلاص النية...قال الإمام الذهبي: كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولاً لا لله، وحصلوه ثم استفاقوا فحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعد، وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله، فهذا أيضاً حسن، ثم نشروه بنية صالحة.
وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا، وليثنى عليهم فلهم ما نووا، قال عليه السلام: "من غزا ينوي عقالاً فله ما نوى". وترى هذا الضرب لم يستضيئوا بنور العلم، ولا لهم وقع في النفوس، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل، وإنما العالم من يخشى الله تعالى.
وقوم نالوا العلم، وولوا به المناصب، فظلموا، وتركوا التقيد بالعلم، وركبوا الكبائر والفواحش، فتباً لهم، فما هؤلاء بعلماء.
وبعضهم لم يتق الله في علمه، بل ركب الحيل، وأفتى بالرخص، وروى الشاذ من الأخبار.
وبعضهم اجترأ على الله، ووضع الأحاديث، فهتكه الله، وذهب علمه، وصار زاده إلى النار.
وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئاً كبيراً، وتضلعوا منه في الجملة، فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل.
وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير، أوهموا به أنهم علماء فضلاء، ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله، لأنهم ما رأوا شيخاً يقتدى به في العلم، فصاروا همجاً رعاعاً، غاية المدرس منهم أن يحصل كتباً مثمنة يخزنها وينظر فيها يوما ما، فيصحف ما يورده ولا يقرره، فنسأل الله النجاة والعفو، كما قال بعضهم: ما أنا عالم ولا رأيت عالماً.
نعم إن أسوأ ما يمكن أن يكون عليه المرء عندما يوكل إلى نفسه، فمن وكل إلى نفسه (لا إلى الله تعالى) فقد خاب وخسر ولقي في دنياه عنتاً وضنكاً وفي آخرته ذلاً وخزياً.
يقول الله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) (طه: الآية 124) .
وعن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".
وفي رواية غير الترمذي: " احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة و يباعدني عن النار، قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه".